الحمد لله القائل (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون)
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد المبعوث رحمة للعالمين القائل: (صلوا كما رأيتموني أصلي) (رواه البخاري)، والقائل: "حبب إلي من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة" (رواه أحمد والنسائي والحاكم والبيهقي في سننه، وصححه الألباني) وعلى آله وصحبه وسلم ومن سلك دربه إلى يوم الدين، وبعد:
فإن الصلاة راحة وطمأنينة فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لبلال: "أرحنا بالصلاة يا بلال" والصلاة عمود الإسلام، والصلاة هي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، فإن صلحت صلح سائر عمله وإن فسدت فسد سائر العمل، والصلاة نور، والصلاة شفاء، والصلاة مناجاة بين العبد وربه ففي صحيح مسلم: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين..." الحديث، والصلاة أمان من النار يقول صلى الله عليه وسلم: (لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها) رواه مسلم، والصلاة أفضل الأعمال إذا كانت على وقتها، والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر! ولكن العبد قد يتساءل عن من يأكلون الحرام ويغشون ويكذبون ويقطعون الأرحام ويعقون الآباء والأمهات ويقعون في المحرمات وهم يصلون الصلوات الخمس ولم تنههم صلاتهم عن المنكر والله جل وعلا يقول: (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون).
والإجابة على ذلك أن هؤلاء لم يقيموا صلاتهم كما أمرهم الله، ولم يصلوها كما صلاها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحافظوا عليها المحافظة المطلوبة.
وإن من ضيع الصلاة فإنه سيتبع الشهوات ومن اتبع الشهوات فسوف يلقى ضنكاً وضيقاً وأمراضاً نفسية وعضوية، بل قد يصل الأمر إلى الانتحار وقتل النفس كما هو حال البعض اليوم، وأما في الآخرة فصدق الله سبحانه إذ قال: { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً }.
ومن الناس من يضيع الصلاة بالكلية مع عدم جحودها وجمع من العلماء على أنه كافر بهذا لقوله صلى الله عليه وسلم: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر} رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم.
ومنهم من يضيع بعضها ومنهم من يضيع أركانها، ومنهم من يضيع خشوعها، ومنهم من يضيع واجباتها، ومن المؤسف أن البعض من المسلمين لا يكلف نفسه ولو بالقليل في تعلم صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي موجودة في كتب أهل العلم مثل زاد المعاد في هدي خير العباد - المجلد الأول – للعلامة ابن القيم، أو في كتاب -صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها- للألباني أو في كتاب الشيخ عبد العزيز بن باز أو الشيخ ابن عثيمين رحمهم الله جميعاً.
واعلموا أن العبادات توقيفية ولا بد لها من نص فلا تقبل العبادة إلا بشرطين: الأول: الإخلاص. والثاني: المتابعة. أي متابعة النبي صلى الله عليه وسلم لقول الله تعالى (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) الحشر.
ولقوله صلى الله عليه وسلم (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) (أي مردود على صاحبه) متفق عليه.
وهناك بعض المخالفات يقع فيها الكثير من المصلين تجعلهم لا يقيمون الصلاة، والله جل وعلا يقول
وأقيموا الصلاة)..
وفيما يلي بيان لما تيسر جمعه من هذه المخالفات للعلم بها والحذر والتحذير منها:
مخالفات وأخطاء الصلاة
1. ترك بعض المرضى الصلاة بالكلية وهذا أمر خطير يخشى على صاحبه الهلاك وهو أحوج ما يكون إليها عند المرض فيجب عليه أن يصلي حسب استطاعته ولا يجوز له تركها.
2. رفع شيء للمريض ليسجد عليه فعن ابن عمر رضي الله عنه قال: عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من أصحابه مريضاً، وأنا معه، فدخل عليه، وهو يصلي على عود، فوضع جبهته على العود، فأومأ إليه، فطرح العود، وأخذ وسادة فقال صلى الله عليه وسلم
دعها عنك – يعني الوسادة – إن استطعت أن تسجد على الأرض وإلا فأوميء إيماءً واجعل سجودك أخفض من ركوعك).
3. تأخير صلاة الفرض لمن فاتته إلى اليوم الثاني بزعم أنه خرج وقتها، بل يصليها إذا ذكرها.
4. الصلاة في ثياب شفافة رقيقة وقد تبطل الصلاة إذا لم يكن تحتها على العورة شيء لأن ستر العورة من شروط الصلاة والشفاف غير ساتر.
5. قول بعضهم استوينا لله طائعين إذا قال الإمام استوينا وهذا لا أصل له في السنة.
6. كشف العاتقين والكتفين في الصلاة وفيه نهي بل يغطي العاتقين خصوصاً المُحرم.
7. قول البعض بعد تكبيرة الإحرام " عز وجل" وهذا لم يرد.
8. الصلاة في ثوب أو فراش عليه تصاوير وهو منهي عنه.
9. أداء الصلاة وهو حاقن أو حاقب أو حازق لحديث "لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان" ولحديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا حَضَرَ الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ"، قال الشيخ محمد المنجد حفظه الله في حديث "نهى أن يصلي الرجل وهو حاقن" والحاقن: المحصور بالبول، ومثله الحاقب: وهو من يدافع الغائط، والحازق الذي يدافع الريح، ولو صلى على هذه الحال فجمهور العلماء على أنه صلاته تصح مع الكراهة والأولى أن يذهب لقضاء حاجته ثم يتطهر ويصلي، ولو فاتته صلاة الجماعة.
10. التلفظ بالنية وهذا بدعة لم يفعله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه من بعده.
11. عدم تحريك اللسان والشفتين في التكبير والقراءة وقد تبطل الصلاة لعدم القراءة وقد كان الصحابة يرون النبي صلى الله عليه وسلم وهم خلفه في الصلاة السرية ولحيته تتحرك ولأن الصلاة أقوال ولا يكون القول إلا بتحريك اللسان والشفتين.
12. رفع البصر إلى السماء موافقاً في ذلك تكبيرة الإحرام فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
لينتهينَّ أقوامٌ عن رفعهم أبصارهم عند الدعاء في الصلاة إلى السماء، أو لتخطفن أبصارهم).
13. الخروج من المسجد بعد الأذان فقد ورد في صحيح مسلم أن أبى هريرة رضي الله عنه رأى رجلاً خرج من المسجد بعد الأذان فأتبعه بصره حتى خرج من المسجد فقال أبو هريرة رضي الله عنه: أمّا هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم.
14. الإسراع في المشي لإدراك الركعة والواجب أن يمشي وعليه السكينة والوقار لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وأنتم تمشون، وعليكم بالسكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا" رواه البخاري ومسلم..
15. إيذاء المصلين والملائكة برائحة البصل والثوم والكرّاث والدخان في المسجد أو بعدم التنظف والتهيؤ للصلاة ففي صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربنَّ مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم".
16. عدم مدافعة المار بين يدي المصلي لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك فإن انتهى عن المرور بين يدي المصلي وإلا فقاتله فإن معه شيطان كما ورد في الحديث.
17. المرور بين يدي المصلي ففي صحيح مسلم من حديث أبي جُهَيْمٍ رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لو يعلم المار ُّ بين يدي المصلي ماذا عليه، لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه) قال أبو النضر: لا أدري قال أربعين يوماً، أو شهراً، أو سنة، وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المرأة البالغة والكلب الأسود والحمار تقطع الصلاة ولا بد على المصلى إذا مر من أمامه أحد هؤلاء الثلاثة أن يعيد الصلاة وقد استثنى بعض العلماء المسجد الحرام في أوقات الزحام وأداء المناسك.
18. عدم اتخاذ سترة للصلاة وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص أشد الحرص هو وأصحابه على اتخاذ السترة فقد ورد في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة فتوضع بين يديه فيصلي إليها والناس وراءه، وفي صحيح مسلم كذلك من حديث ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرض راحلته أمامه وهو يصلي إليها.
19. مسابقة الإمام ربما تبطل الصلاة وقد ورد في الحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمارٍ" رواه البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم، وقد ذكر الأحوذي رحمه الله في كتابه تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي في المجلد 3 صفحة 152 تحقيق المباركفوري طبعة دار الكتب العلمية قصةً لأحد المحدثين كان يحدث الناس من وراء حجاب وبقي على ذلك فترة من الزمن فطلب أحد طلابه منه أن يرى وجهه وأصر عليه، فلما نظر إليه فإذا برأسه رأس حمار، فقال: يا بني كنت ممن كذب بحديث "أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمارٍ" فبت وأصبحت وقد حول الله رأسي رأس حمار.